05:15 م
الجمعة 13 سبتمبر 2024
كتب ـ رمضان يونس:
الساعة تقترب من التاسعة مساءًا، حين هدأ شارع الباشا بشبرا، كانت تضج الحواري بلهو الأطفال، وأحاديث “ولاد الحتة” التي لم تنقطع، صوت ضحكات “كيان” التي لم تشارف عامها الثاني بعد، مع والدتها “نادين” وخالتها “ندي” أدخل حالة من البهجة في منزل “سمير العريس”، قطعها فجأة هزة أرضية عنيفة تلاه غبار و تراب وكتل الخرسانة فوق رؤوسهن.
لم يستوعب أحدا منهن شيئا، صراخ المارة في الشارع ومحاولات منهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والتي فشلت أمام الانهيار السريع والمروع للعقار البسيط المعروف وسط الشارع باسم بيت “سمير العريس” نسبة للأب صاحب العقار، لم يستطع أحد التنبؤ بعدد الأشخاص المحاصرين بالداخل؛ كان رجال الدفاع المدني يتسابقون مع الزمن، بينما الجدة التي كانت بالخارج تراقب الموقف بقلب منكسر، تدعو الله لهن بالسلامة وتبكي على ما أصاب بناتها وحفيدتها.
تجمّدت عيون الجدة على رجال الدفاع المدني وهم يتسلقون الأنقاض، قلبها ينبض بسرعة، ودموعها تنهمر بلا توقف، عاجزة عن التعبير عمّا يعتريها من ألم. حاولت مرارًا الوقوف على قدميها، لكن جسدها الضعيف خذلها، ولم تستطع الاستجابة لنداء الألم الذي أثقلها. مع ذلك، لم تتحرك عيناها المغرورقتان عن المنقذين، ولسانها لم يتوقف عن مناداة بناتها، في انتظار ردّ لم يصل “يا ندي .. يا نادين .. أطلعي يا ندي”.
لحظات عصيبة مرت عاشتها الأم التى تسير في عقدها الخامس، الدموع لم تفارق، بين ذاك والحين، الجميع يترقب، حتى سُمِع صوت أحد رجال الدفاع المدني ينادي: “وجدنا واحدة هنا”. ارتفعت أصوات البكاء والابتهال، ولكن مشهد استخراج “ندى” أجهض الأمل. كانت قد لفظت أنفاسها قبل أن تُنتشل من تحت الأنقاض، ورغم ذلك استمرت الجدة في مناداة بناتها، ندى ونادين، حتى انتهى صراخها الحزين بالنداء على “كيان”.
لم يمضِ وقت طويل حتى استُخرج جثمان “نادين” أيضًا. كانت وجوه رجال الإنقاذ تعكس حزنًا عميقًا وخيبة، بينما الجدة المكلومة هرولت باتجاه سيارات الإسعاف، تبحث عن جثث بناتها، وتعود من جديد إلى الأنقاض منهارة، تصرخ بألم: “خليكي معايا يا كيان… الكل سابني ومشي… متمشيش وتسيبني”.
واصل رجال الحماية المدنية البحث، آملين العثور على الطفلة “كيان” حيّة، في انتظار لحظة تُنعش قلوبهم. أخيرًا، نجحوا في انتشال الطفلة، لكنها كانت في حالة حرجة، ولم تمر دقائق حتى لحقت بأمها وخالتها.
بعدما تأكد للجدة فقدان أسرتها بالكامل، سقطت على الأرض منهارة، غير قادرة حتى على النهوض لرؤية بناتها للمرة الأخيرة.