سيناريوهات الخيانة.. كيف وصلت المعلومة الذهبية عن نصر الله لإسرائيل؟
كتب – أحمد جمعة:
أثارت عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، عبر ضربة جوية واسعة النطاق على المقر العسكري الرئيسي للحزب في الضاحية الجنوبية، تساؤلات بشأن كيفية وصول “المعلومة الذهبية” لإسرائيل عن تواجده في اجتماع رفقة قادة عسكريين من الحزب ومسؤولين بالحرس الثوري الإيراني.
وفق صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فإن إسرائيل قررت استهداف زعيم حزب الله بشكل مباشر لاعتقادها أن “هناك فترة زمنية قصيرة فقط قبل أن يختفي وينتقل إلى موقع آخر”، ووجهت ما يزيد عن 80 قنبلة على مقره العسكري “المُحصّن” الواقع تحت الأرض أسفل مبنى سكني.
وسبق أن قالت القناة الـ 12 الإسرائيلية، إنه جرى التخطيط لاستهداف “نصر الله” منذ مدة طويلة، قبل أن تصل “المعلومة الذهبية” لقادة جيش الاحتلال بمكان تواجد أمين حزب الله، ومن ثمّ استهداف المقر في وقت لاحق.
وترجح تقديرات غربية أن عملية اغتيال الزعيم التاريخي لحزب الله لم تكن وليدة ما جرى بعد السابع من أكتوبر، إذ سبقها تخطيط ومراقبة امتدت لأكثر من عقد.
وعززت تلك العملية من الانتقادات بشأن طبيعة الانكشاف الاستخباراتي لحزب الله الذي تعرض لضربات فادحة على مدار الأيام الماضية، خاصة في الحدث الأبرز عندما انفجرت أجهزة “البيجر” اللاسلكية التي كانت بحوزة كبار عناصره، وما تلاها من عمليات اغتيال نوعية استهدفت التسلسل الهرمي للقيادة في الحزب بشكل كامل.
وجرت العملية الإسرائيلية مساء الجمعة، عبر السرب 69 من سلاح الجو مستخدمة المقاتلات “إف-15” التي أسقطت قنابل خارقة للتحصينات تزن طنا من المتفجرات على المقر المركزي لحزب الله، الواقع في حارة حريك بالضاحية الجنوبية، والتي تعج بالسكان المدنيين، مُحدثة دمارًا هائلًا إذ سوت 6 بنايات شاهقة بالأرض، فضلًا عن تسببها بحفر ضخمة يصل قطرها إلى 5 أمتار.
لم تتوقف إسرائيل عند هذا الحد، إذ واصلت عمليتها عبر شن سلسلة متواصلة من الغارات على الضاحية الجنوبية، ما أحدث دويا هائلاً في المكان.
وبعد نحو 20 ساعة كاملة من تلك الغارات، أقرَّ حزب الله باغتيال أمينه العام، إذ عثرت عناصر حزب الله على جثمان “نصر الله” وتعرفوا عليها صباح السبت، إلى جوار جثمان قائد الجبهة الجنوبية علي كركي، وفقًا لمسؤولين تحدثوا لـ”نيويورك تايمز”، استنادًا إلى معلومات استخباراتية من داخل لبنان.
كيف حدث الاختراق؟
رجح نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط مايك ملروي، في تصريحات لـ”مصراوي”، أن يكون الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي لحزب الله جاء من “مصدر بشري”.
ولفت “ملروي” إلى أن “حزب الله أصبح مهتمًا جدًا بأجهزة الاتصال بعد حادث تفجيرات البيجر، وبالتالي فمن المحتمل أن تكون هذه المعلومات الاستخباراتية جاءت من مصدر آخر”.
وقال ملروي الذي يعمل محللًا للأمن القومي والدفاع في شبكة “ABC” الأمريكية، إنه “من الواضح أن هناك مشكلة داخل صفوف حزب الله، إذ أن هذه العمليات الاستخباراتية لن تكون ناجحة بدون وجود مشاكل كبيرة في عمل استخبارات الحزب”.
وأوضح أن الدوائر الأمريكية والغربية تنظر لعملية اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله لأكثر من ثلاثة عقود، بأنها تمثل “نهاية منهجية وقطع رأس قيادة المنظمة المصنفة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، وأحد أهم القوى بالوكالة لإيران”.
عقد من التخطيط
وتطرقت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، إلى كواليس “عقد من التخطيط للعملية”، إذ قالت إن الموساد بدأ التخطيط لشن تلك العمليات عبر سنوات درس خلالها نقاط القوة والضعف لدى الجماعة، ونفذ سلسلة من العمليات المباغتة على الأرض.
وأوضحت الصحيفة أن المعلومات الاستخباراتية لا تشير فقط إلى تحركات نصر الله ورفاقه تحت الأرض، بل أيضا تحدد القوة التدميرية اللازمة لاختراق التحصينات والوصول إليه في مخبأه.
وحددت 3 مصادر مباشرة للحصول على تلك “المعلومات المهمة”، على رأسها “الوحدة 8200” بجيش الاحتلال التي تمد الاستخبارات العسكرية بمعلومات دقيقة عبر وسائل تكنولوجية حديثة، فضلًا عن “الوحدة 504” التي تجمع معلومات من “مصادر بشرية”، إضافة لوسائل تكنولوجية تُستخدم لتحديد إحداثيات ومواقع، وتعتمد في أغلبها على طلعات الطائرات المسيّرة فوق لبنان.
وسمحت تلك المعلومات لطياري جيش الاحتلال “بحساب الزوايا التي يجب أن تضرب بها القنابل، والارتفاع الذي يجب إطلاقها منه، للوصول إلى الجزء من المخبأ حيث يوجد “الصيد الثمين”.
عميل إيراني
وذهب تقرير نشرته صحيفة “لو باريزيان” الفرنسية، إلى أبعد من ذلك، بالإشارة لحصول إسرائيل على هذه المعلومات الحساسة من خلال “عميل إيراني”.
الصحيفة الفرنسية التي نقلت عن مصادر أمنية لبنانية، أكدت أن “هذا الجاسوس تمكن من اختراق الدائرة الداخلية لحزب الله وإيصال معلومات دقيقة حول تحركات نصرالله الذي كان في بيروت يوم الجمعة للمشاركة في جنازة محمد سرور المسؤول العسكري بالحزب”.
ولحظة القرار الإسرائيلي، وصلت القنابل الخارقة لعمق 30 مترا تحت الأرض حين كان “نصر الله” رفقة أنصاره والمسؤول البارز بالحرس الثوري.
كيف ينظر اللبنانيون للحادث؟
من بيروت، قال منسق الحكومة اللبنانية لدى اليونيفيل سابقًا، العميد منير شحادة، إن السيناريوهات تميل لكون ما جرى في هذه العملية جاء نتيجة لتقنيات متطورة من التجسس الإسرائيلي، لكن في الوقت ذاته لا يمكن استبعاد أن عنصرًا بشرياً خَرق المنظومة الأمنية حول “نصر الله”.
وأضاف “شحادة” في تصريحات لمصراوي: “لا يمكن أن ننكر أن إسرائيل تمتلك قدرات عالية من التقنيات المتطورة للتجسس، كما لا يمكن أن نغفل أن إسرائيل هي من تصنع أجهزة التجسس على الهواتف مثل بيجاسوس، ولديها كل الأقمار الصناعية وطائرات التجسس، كما أن مكاتب الأمن والاستخبارات الدولية تتعاون معها باستمرار”.
وحدد الخبير العسكري اللبناني أسباب الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي لحزب الله، في عدد من النقاط، تشمل:
* عندما جاءت لجنة التحقيقات الدولية إلى لبنان عام 2005 للتحقيق في جريمة اغتيال رفيق الحريري، استباحت كل البيانات الخاصة بالدولة اللبنانية من الجامعات إلى المصارف وصولا للأجهزة الأمنية والمستشفيات والاتصالات والشبكات المعلوماتية وأنظمة التحويلات المالية، وبالطبع كل هذه البيانات صبت في إسرائيل، إذ بات لدى تل أبيب قاعدة بيانات كاملة عن لبنان.
* عندما ذهب حزب الله للقتال في سوريا في 2011، انكشفت كل قوى المقاومة من قادة وكوادر؛ خاصة مع استعمالها لأجهزة الراديو العادية التي يسهل التنصت عليها، بجانب أجهزة اتصالات الهواتف الذكية، ومن ثم حصلت إسرائيل أيضًا على “معلومات جديدة”.
* إسرائيل تراقب تحركات كل قادة وعناصر المقاومة بشكل مستمر، حتى جاءت حرب غزة حين شارك الحزب في جبهة الإسناد، وبالتالي تمكنت إسرائيل بواسطة قاعدة البيانات الواسعة من اغتيال عدد كبير من القادة والكوادر، وكذلك تفجير أجهزة البيجر التي أخرجت 3200 عنصر من المقاومة خارج المعركة “خلال 4 ثوان”.
وشدد منسق الحكومة اللبنانية لدى اليونيفيل سابقًا، على أن إسرائيل تمتلك قدرات تقنية عالية، وبالتالي لم يعجب مستغربًا وصولها لـ”نصرالله”، لكن في هذا الوقت فيمكن أن يكون هناك عنصرًا بشرياً خرق المنظومة الأمنية حول نصر الله حتى وصلت إليه إسرائيل في عملية الاغتيال.
وبشأن إمكانية أن يكون هذا العنصر عميلًا إيرانياً للموساد، اعتبر أن تلك الترجيحات للصحف الأجنبية تعتمد على “وضع السم في العسل”، مرجعًا ذلك لكي “تخلق شقاقا بين المقاومة وإيران”، قبل أن يضيف أنه “كرجل عسكري لا ينفي إمكانية وجود خرق بشري”.
وأضاف: “قدرات إسرائيل التقنية في التجسس عالية للغاية بأكثر مما نتوقع، وتفجير أجهزة البيجر واحدة من تلك المظاهر التي تجعلك ترى أن عمليات الاغتيال وتصفية القادة وصولًا للأمين العام ناتجة عن قدرات تقنية أكثر مما هو خرق بشري”.