كتبت- أسماء البتاكوشي:
منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحكم، تميزت تصريحاته وقراراته بالجدل، فقد شملت محاولاته المستمرة للضغط على مصر والأردن لاستقبال الفلسطينيين من قطاع غزة وتهجيرهم، وهو ما لقي رفضًا قاطعًا من الدولتين، كما أثار طلبه بمساحة أكبر لإسرائيل جدلاً واسعًا، إضافة إلى اقتراحه بشراء جزيرة جرينلاند، وتصريحاته التي تحدث فيها عن احتمالية أن تصبح كندا الولاية الـ51 للولايات المتحدة، هذه التصريحات والقرارات أثارت ردود فعل قوية من قبل الدول المعنية، ومختلف أنحاء العالم.
وتأتي هذه القرارات المثيرة للجدل في ظل سياسة خارجية أمريكية تسعى إلى إعادة تشكيل ملامح التوازنات الإقليمية والدولية، وبينما كانت تصريحات ترامب محل جدل واسع، تركزت إحدى القضايا الأكثر إثارة للانتقادات على موضوع غزة، إذ دعا الرئيس الأمريكي مصر والأردن إلى استيعاب اللاجئين الفلسطينيين نتيجة للأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع، وبزعم أن القطاع في حالة فوضى، الدعوات التي قوبلت برفض قاطع من الدولتين.
غزة بين الأردن ومصر
وأثارت تصريحات الرئيس الأمريكي التي كررها أكثر من مرة، بشأن دعوة مصر والأردن لاستقبال لاجئين فلسطينيين ردود فعل غاضبة من الحكومتين، إذ أصر ترامب على أن الدولتين يجب أن تتعاون مع الولايات المتحدة في استيعاب اللاجئين الفلسطينيين من قطاع غزة نتيجة للأزمة الإنسانية المتفاقمة في المنطقة.
في مصر، خرجت مظاهرات حاشدة قرب معبر رفح الحدودي احتجاجًا على هذه المقترحات، وتجمع آلاف المصريين في احتجاجات سلمية، رافضين أي محاولة لنقل سكان غزة إلى أراضيهم، الاحتجاجات التي جاءت هذه الاحتجاجات تلبية لدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي التي عبر فيها عن رفضه القاطع لهذه الخطة، مشددًا على أن مصر لن تكون طرفًا في أي مشروع يهدد هويتها أو يسهم في تهجير الفلسطينيين من أراضيهم.
أما في الأردن، فقد جاء رفض الحكومة الأردنية لهذا المقترح على لسان وزير الخارجية أيمن الصفدي، الذي شدد أن بلاده تتمسك بحل الدولتين، ويضمن إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مؤكدًا رفض بلاده لمقترح ترامب، وتمسك الأردن بحل الدولتين كسبيل وحيد لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة.
كندا الولاية الأمريكية الـ51
يرى ترامب أنّ كندا يجب أن تكون ولاية أمريكية، بزعم أنّها تستغل “الولايات المتحدة على مدى سنوات”، موضحًا أن أمريكا تخسر ملايين الدولارات لصالح كندا كل عام”، وقال: “لن نسمح باستمرار هذا الأمر، إذا لم تكن كندا ولاية، فـ”أنا لا أريد أن أنفق مئات الملايين من الدولارات هناك”، معلنًا أنّه إذا أصبحت ولاية، فإن الكنديين سيدفعون ضرائب أقل بكثير.
وأكد ترامب في عدة مناسبات سابقة أن كندا يجب أن تنضم إلى الولايات المتحدة باعتبارها الولاية رقم 51، الأمر الذي قوبل بالاستياء من قبل الجانب الكندي.
وردًا على تصريحات ترامب قال رئيس الوزراء الكندي المستقيل، جاستن ترودو، إنّه “لا توجد فرصة كبيرة في أن تصبح كندا جزءًا من الولايات المتحدة”، مضيفًا أن “كندا هي دولة ذات سيادة مستقلة، ونحن نفخر بهذا الاستقلال الذي يميزنا عن أي دولة أخرى، بما في ذلك جيراننا في الولايات المتحدة. نحن نعيش ونحترم قيم الديمقراطية والحرية في بلدنا، ولن نسمح لأي جهة بالتدخل في سيادتنا”.
الدنمارك وجرينلاند
منذ سنوات يتحدث ترامب عن صفقة محتملة لضم جرينلاند، معربًا عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة “ستحصل على الجزيرة، التي قال إن بلاده تحتاجها بشدة لأسباب تتعلق بـ”الأمن الدولي”، الجزيرة التي تمتلك موقعًا استراتيجيًا غنيًا بالموارد الطبيعية، ما يجعلها هدفًا أمريكيًا قديمًا ضمن سياستها التوسعية.
قال دونالد ترامب، إنه “واثق” أن الولايات المتحدة ستسيطر على غرينلاند، بعد إظهار اهتمام متجدد بضم الإقليم الدنماركي المستقل خلال الأسابيع الأخيرة، مضيفًا في تصريح للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية “إير فورس وان” السبت الماضي، “أعتقد أننا سنحصل عليها، سكان الجزيرة البالغ عددهم 57 ألف نسمة يريدون أن يكونوا معنا”.
ولكن التصريح عن شراء الجزيرة لم يلقَ قبولًا من الدنمارك أو من السلطات المحلية في جرينلاند، الحكومة الدنماركية ردت بسرعة على هذا الاقتراح، حيث وصفته رئيسة الوزراء مته فريدريكسن بأنه “سخيف”، مشيرة إلى أن جرينلاند ليست للبيع وأنه لا مجال لمناقشة أي عرض بهذا الشكل.
وفي وقت لاحق، أكد المسؤولون في جرينلاند أيضًا رفضهم لهذا العرض، مشددين على أن الجزيرة ترغب في التعاون مع الولايات المتحدة في مجالات تجارية واقتصادية، ولكنها ترفض أي مسعى يهدد سيادتها.
وأعاد ترامب طرح فكرة شراء الإقليم القطبي الواسع خلال فترة ولايته الأولى في عام 2019، وهي أكبر جزيرة في العالم، والتي تتمتع بحكم ذاتي تحت السيادة الدنماركية، ووصف ترامب الجزيرة بأنها “موقع استراتيجي هام” وأشار إلى أنه يمكن أن يوفر فوائد اقتصادية للولايات المتحدة، خاصة في مجالات التعدين، والطاقة، وحماية الأمن القومي.
قناة بنما.. عودة إلى الهيمنة الأمريكية
منذ انتخاب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، لم يخفِ رغبته في استعادة الهيمنة على قناة بنما، إذ كرر الأمر في خطاب تنصيبه، متهمًا الصين بالسيطرة على القناة خلال وجودها حول الممر المائي الذي سلمته الولايات المتحدة إلى الدولة البنمية نهاية عام 1999، إذ قال “لم نسلمها للصين، بل سلمناها لبنما، وسنستعيدها”.
ونفت حكومة بنما بشدة هذا الاتهام، وتقدمت بشكوى أمام الأمم المتحدة، كما استبعد رئيس بنما، خوسيه راؤول مولينو، مناقشة مسألة السيطرة على قناة بنما في اجتماع مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، إذ قال “لا يمكنني التفاوض أو الشروع في عملية تفاوض بشأن القناة. هذا أمر محسوم. القناة تابعة لبنما”.
وأشارت حكومة بنما في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، إلى مادة من ميثاق الأمم المتحدة تمنع على أي عضو “التهديد باستخدام القوة أو استخدامها” ضد سلامة أراضي دولة أخرى أو استقلالها السياسي، كما طالبت الرسالة الأمين العام على إحالة القضية إلى مجلس الأمن الدولي، من دون طلب عقد اجتماع.
كما أمرت الحكومة البنمية بإجراء تدقيق في عمل شركة مرتبطة بهونج كونج تقوم بتشغيل ميناءين على الممر المائي الحيوي، إذ أعلن مكتب المراقب المالي البنمي إجراء تدقيق شامل في شركة “موانئ بنما” بهدف “ضمان الاستخدام الفعال والشفاف للموارد العامة”.
حملة ترامب ضد المهاجرين
أطلق ترامب “عملية الطرد” واسعة ضد المهاجرين، إذ تعهد خلال حملته الانتخابية بحملة واسعة لطرد المهاجرين غير النظاميين، وبدأ ولايته الرئاسية الثانية الإثنين بسلسلة من أوامر تنفيذية تهدف إلى احتواء تدفقهم، معلنًا “حالة الطوارئ الوطنية” على الحدود الجنوبية مع المكسيك مع نشر الجيش وتعهد بطرد “الأجانب المجرمين”.
وفي 25 من يناير الجاري أي بعد 5 أيام من تولي ترامب منصبه، هبطت طائرتان عسكريتان أمريكيتان في جواتيمالا، على متنهما عشرات الجواتيماليين الذين تم ترحيلهم من الولايات المتحدة، إذ نقلت طائرة أولى حطت بعيد منتصف الليل 79 راكبا (31 امرأة و48 رجلًا)، بحسب معهد جواتيمالا للهجرة.
ترامب والرسوم الجمركية
وبعد أيام قليلة من تولي ترامب منصبه، لم يتوقف دونالد ترامب عن إصدار القرارات التي وصفت بأنها انتقامية، ليس فقط في الداخل الأمريكي وإنما عالميا، إذ فرض رسوم جمركية شاملة على كندا والمكسيك والصين، ما قد يمهد الطريق لحرب تجارية مدمرة بين الولايات المتحدة وثلاثة من أكبر شركائها التجاريين، كما هدد بمتابعة موجة أخرى من الرسوم الجمركية ضد الاتحاد الأوروبي.
وقد قرر ترامب فرض ضرائب جمركية بنسبة 25 % على الواردات من كندا والمكسيك، و10 % على الصين، مضيفًا أن هذه الخطوة تهدف إلى مواجهة العجز التجاري للولايات المتحدة مع جيرانها، ولمعالجة التدفق الكبير للمهاجرين غير الشرعيين، وكذلك مخدر الفنتانيل عبر حدود الولايات المتحدة.
وهو ما أثار غضبًا لدى الدول، إذ قالت كندا والمكسيك إنهما ستردان على الرسوم الجمركية الأمريكية بإجراءات خاصة بهما، مع سعيهما في الوقت ذاته إلى طمأنة واشنطن بأنهما تتخذان إجراءات لمعالجة المخاوف بشأن حدودهما، ففي محاولة لوقف تنفيذ قرار ترامب، عززت كل من كندا والمكسيك أمن حدودهما مع الولايات المتحدة لوقف تدفق المهاجرين والمخدرات.
يشار إلى أن الصين وكندا والمكسيك، هما أكبر شركاء تجاريين للولايات المتحدة، إذ شكلت السلع التي تستوردها منها 40 % من إجمالي السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة العام الماضي، وتتزايد المخاوف من أن الرسوم الجديدة الباهظة قد تؤدي إلى اندلاع حرب تجارية كبرى فضلًا عن دفع الأسعار إلى الارتفاع في الولايات المتحدة.
زيادة الإنفاق العسكري للناتو
منذ توليه منصب الرئيس، كرر ترامب مطالبه بأن تلتزم جميع الدول الأعضاء في الناتو بزيادة إنفاقها العسكري إلى 5 % من ناتجها المحلي الإجمالي، إذ قال: “أنا أيضا أطلب من جميع دول الناتو زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، لأنه كان ينبغي القيام بذلك منذ سنوات عديدة”.
ولفت إلى أنه في السابق، “كان الإنفاق المستهدف 2%، ومعظم الدول لم تكن تسدد حتى هذا المبلغ. قبل أن آتي وأصر على الدفع، كانت الولايات المتحدة تغطي الفرق فعليًا، لكن ذلك غير عادل تجاه الولايات المتحدة، مثل العديد من الأمور الأخرى التي حدثت على مر السنين”، مؤكدًا أن سياسته تهدف لاستعادة العدالة وإعادة توزيع الأعباء المالية على الأعضاء داخل الحلف.
ومن جانبها أعلنت بولندا تأييدها زيادة إنفاق دول حلف شمال الأطلسي إلى 5% من الناتج المحلي، إذ قال وزير الدفاع البولندي فلاديسلاف كوسينياك كاميش، إن بلاده تدعم طلب الرئيس الأمريكي بزيادة الإنفاق الدفاعي لدول الحلف إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي حتى لو استغرق الأمر 10 سنوات، وفق تعبيره.
استثمار سعودي ضخم في أمريكا
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نيته إقناع المملكة العربية السعودية بزيادة استثماراتها في الاقتصاد الأمريكي إلى تريليون دولار، إذ قال أعلنت الرياض أنها تنوي استثمار ما لا يقل عن 600 مليار دولار بعد نتيجة الانتخابات لدينا. وأعتقد أنهم سيرفعون هذا المبلغ إلى تريليون دولار. سأطلب منهم زيادة هذه الاستثمارات إلى تريليون دولار”.
وقبل ذلك، أجرى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اتصالًا هاتفيًا بترامب، مؤكدًا رغبة المملكة بتوسيع استثماراتها وعلاقاتها التجارية مع واشنطن، في الأربع سنوات المقبلة بمبلغ 600 مليار دولار مرشحة للارتفاع حال أتيحت فرص إضافية.