أخبار عالمية

سفير مصر الأسبق بإسرائيل: التهجير ليس فكرة عابرة.. وتل أبيب

كتبت- سلمى سمير:

أصداء مخطط التهجير لا تزال تتردد حتى الآن، فمنذ إحياء المقترح بعد تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي كشف عن الرؤية الأمريكية الإسرائيلية بشأن قطاع غزة، لا يزال الوضع متوترًا مع استمرار الرئيس الجمهوري في الكشف عن عرضه بشأن غزة في رؤى تختلف في كل طرح، آخرها ما تم خلال زيارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، إلى الولايات المتحدة.

جاءت زيارة الملك عبدالله لتكون هي الأولى لزعيم عربي إلى واشنطن منذ تنصيب دونالد ترامب، وهي ما عاود فيها الأخير طرح فكرته بشأن تهجير الفلسطينيين في قطاع غزة إلى كل من مصر والأردن، معتقدًا أن البلدين سيعطون قطعة أرض من حدودهم لصالح تنفيذ مخطط التهجير، إلا أن الرد الأردني جاء بالرفض الواضح للمقترح بوصفه تصفية للقضية وتجاهل تام للحق الفلسطيني، وهو ما أكدت عليه مصر بدورها منذ بداية طرح المشروع، وفي هذا الشأن تواصل “مصراوي” مع السفير المصري الأسبق بإسرائيل، عاطف سالم، للرد على التطورات بشأن هذا الموضوع.

صورة 1_1

كيف تقيمون الدور المصري تجاه القضية الفلسطينية، خاصة في ظل الأوضاع الراهنة؟

من الصعب ربط الجهود المصرية الحالية فقط بما يحدث اليوم، حيث إن دور مصر تجاه القضية الفلسطينية هو دور تاريخي ممتد، مرتبط بالجغرافيا والتاريخ، ويعكس دعمًا كاملاً للشعب الفلسطيني. هذا الدعم لم يكن يومًا مشروطًا أو خاضعًا لحسابات أو مساومات أو تكتلات، بل هو من ثوابت السياسة المصرية، حيث كانت مصر من أول الدول الرافضة لمخطط التهجير أو حتى مجرد الضغط على سكان غزة لترك أرضهم.

فيما يتعلق بغزة، كانت مصر أول من أعلن رفضه التام لعملية التهجير القسري، أو حتى التهجير الطوعي، ورفضت بشكل قاطع تصفية القضية الفلسطينية. كما مارست ضغوطًا كبيرة لضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى أهالي غزة دون عوائق، وسعت بقوة إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين الفلسطينيين.

وقد أصدرت مصر أكثر من ثلاثة عشر بيانًا بشأن القضية الفلسطينية، وجميع هذه البيانات كانت قوية، وتعبر عن قوة الإرادة المصرية وثبات موقفها في دعم الحقوق الفلسطينية، كما تعكس الدور المصري في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

صورة 2_2

إلى جانب ذلك، عقدت مصر العديد من المؤتمرات والاجتماعات لدعم القضية الفلسطينية، بدءًا بمؤتمر القاهرة للسلام في أكتوبر الماضي، مرورًا بسلسلة اجتماعات ومؤتمرات أخرى بالتعاون مع الأردن ودول أخرى. وكان الموقف المصري الثابت والصارم هو الذي حال دون حدوث أي خلخلة في المنطقة أو المساس باستقرارها.

لقد تمكنت مصر من الحفاظ على توازن دقيق في المنطقة، حيث دعمت القضية الفلسطينية بشكل كامل دون أن تفقد دورها في الحفاظ على الاستقرار. كما أعلنت عن رؤيتها لإعادة إعمار غزة دون خروج سكانها، وأكدت وجود توافق عربي في هذا الشأن، مع طرح خطة جاهزة تشمل التعافي المبكر لقطاعات المياه والصرف الصحي والصحة وغيرها.

فيما يتعلق بالتنسيق مع الدول العربية والتفاعل مع هذا الطرح.. كيف تقيمون الجهود والدور العربي فيما يخص مسألة التهجير؟

الدول العربية كانت منذ البداية مدركة لخطورة الموقف في الوقت الحالي. وقد عُقدت عدة اجتماعات على مستويات مختلفة، سواء بين وزراء خارجية الدول العربية أو بين قادة الدول العربية، لكن جميعها كانت في إطار التسوية والوساطة والتهدئة ووقف إطلاق النار.

ومع بروز مشروع التهجير، الذي يُعدّ مشروعًا واسع النطاق، بدأت تتزايد المخاوف العربية والدولية. خاصة وأن جذوره تمتد إلى ما قبل قيام الدولة الإسرائيلية، وتحديدًا قبل عام 1948، واستمرت بعدها حتى وصلت إلى هذا الحد في الوقت الحالي.

هناك العديد من الدراسات التي تناولت قضية التهجير، والمراحل التي مرّ بها. ومن وجهة نظري، فإن التهجير هو جوهر المشروع الصهيوني، حيث تم العمل عليه منذ عام 1948 لإخراج الفلسطينيين من قراهم، وهو أمر موثق في العديد من الكتب، رغم أن بعض الملفات لا تزال غير مكشوفة حتى اليوم.

صورة 3_3

عملية التهجير كانت تُطرح من وقت لآخر، ففي فترة رئاسته الأولى، طُرحت على نتنياهو مرتين خطة لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، بما في ذلك مشروع إنشاء مدينتين لهذا الغرض. كما أن التهجير طُرح في مناسبات متعددة، منها عام 1955، وعام 1971، وكذلك في 2004، و2006، و2010. وبالتالي، فإن هذه السياسة لها جذور تاريخية ممتدة، وتُستخدم كأداة ممنهجة في السياسات الإسرائيلية للوصول إلى ما يُعرف بـ “إسرائيل الكبرى”، والتي تشمل أجزاء من جنوب سوريا، وجنوب لبنان، والأردن، إضافة إلى جزء من سيناء.

في ظل هذه التطورات، أدركت الدول العربية خطورة الوضع الحالي، وعليه تم عقد اجتماع سداسي في القاهرة عقب طرح مشروع التهجير. وخلال هذا الاجتماع، أعلن وزراء الخارجية بوضوح رفضهم القاطع لعملية التهجير، مع التأكيد على دعمهم الكامل لوكالة الأونروا، ووضع مجموعة من المبادئ التي تعكس موقفًا موحدًا للدول الست المشاركة.

وقد شددت الدول العربية على رفضها المطلق لأي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية، والتزمت بدعم حل الدولتين، ورفضت المساس بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، مؤكدة دور وكالة الأونروا في تقديم الدعم لنحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني حول العالم.

وفي تطور آخر، أرسل خمسة من وزراء الخارجية العرب رسالة إلى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، يوضحون فيها موقفهم الرافض للتهجير، خاصة وأنه بدا غير مطّلع بشكل كافٍ على القضية. ومن المتوقع عقد ثلاثة اجتماعات عربية مهمة خلال الفترة المقبلة، وهي:

صورة 4_4

اجتماع خماسي في 17 فبراير، يضم وزراء خارجية مصر، والأردن، وقطر، والسعودية، والإمارات، وسيعقد في السعودية. وقمة عربية طارئة في 27 فبراير، ستُعقد في القاهرة، بمشاركة جميع القادة العرب، بناءً على دعوة من السلطة الفلسطينية، رغم أن البحرين هي الرئيس الحالي للقمة العربية. والقمة العربية الدورية القادمة، والتي ستُعقد في العراق بعد عيد الفطر في أبريل المقبل.

إلى جانب ذلك، هناك تحركات لعقد قمة لمنظمة التعاون الإسلامي، حيث تُجري مصر اتصالات لترتيب هذا الاجتماع لضمان موقف إسلامي موحد تجاه القضية.

كيف ترى تفاعل الموقف الأوروبي مع تصريحات ترامب في هذه التطورات؟

هناك تباينًا واضحًا في المواقف الأوروبية ونوع من من الطمس للهوية الأوروبية بشأن غزة، ففيما يتعلق بتهجير سكان غزة، هناك إجماع أوروبي واسع على رفضه باعتباره انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. لكن في القضايا الأوسع للشرق الأوسط، هناك انقسامات بين دول الاتحاد الأوروبي، حيث تعترف بعض الدول بفلسطين بينما تعارض أخرى ذلك، فضلًا عن تباين المواقف بين الدول التي تدعم إسرائيل سياسيًا وعسكريًا، وتلك التي تدعم الفلسطينيين.

ويرجع جزء كبير من هذا التباين إلى التأثير الأمريكي على القرار الأوروبي، حيث إن الولايات المتحدة أصبحت تسيطر بشكل واضح على القرارات السياسية والاقتصادية والعسكرية للاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى تراجع الدور الأوروبي المستقل. وفي ظل استمرار هذا النفوذ الأمريكي، فإن أوروبا قد تجد نفسها في مأزق إذا لم تتخذ موقفًا أكثر استقلالية عن الضغوط الأمريكية.

صورة 5_5

في النهاية، تبقى هناك ضرورة لإعادة تقييم المواقف السياسية تجاه هذه القضية، خاصة أن عمليات التهجير تُعدّ تعديًا صارخًا على حقوق الآخرين، وانتهاكًا واضحًا للقوانين الدولية. وهذا ما يجعل العديد من الدول، حتى خارج العالم العربي، ترى أن هذه الخطط تمثل إهانة للمجتمع الدولي، بما في ذلك للولايات المتحدة نفسها. ولكن في خضم هذه التحولات، فإن ما يهم الدول العربية هو حماية مصالحها القومية وضمان عدم تمرير أي مخططات تمس بحقوق الفلسطينيين.

كيف تقيّم المشهد السياسي الحالي في إسرائيل؟

يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مقيد بحسابات شخصية وأخرى سياسية ضيقة، إذ يسعى للحفاظ على بقائه في السلطة حتى لو استدعى الأمر استئناف الحرب لتحقيق أهدافه. وفي المقابل، يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قيودًا مختلفة، تتمثل في طموحه لإبرام صفقة تطبيع كبرى في المنطقة، تهدف إلى تعميم الاتفاقيات الإبراهيمية، بدءًا بالمملكة العربية السعودية، على أن تلتحق بها لاحقًا دول عربية وإسلامية أخرى.

صورة-6

غير أن هذه الصفقة الكبرى تسعى إلى تجاوز الدولة الفلسطينية وعدم إدراجها ضمن إطار الحلول المطروحة. فبينما تمتلك السعودية والدول العربية مواقفها الخاصة، يركز ترامب على تمرير هذه الصفقة بأي شكل من الأشكال، بحيث لا يكون للدولة الفلسطينية أي وجود فعلي في المستقبل.

وقد وضع ترامب سقفًا تفاوضيًا مرتفعًا، إذ يدفع نحو تهجير سكان غزة، ضاغطًا في جميع الاتجاهات لاختبار حدود ردود الفعل. ومن المحتمل أن يكون هناك توظيف للدور المصري في هذا السياق. وفي حال قرر ترامب تعديل موقفه لاحقًا، فقد يضع هامشًا تفاوضيًا ضيقًا للأطراف المعنية، بحيث تبدو أي تسوية مطروحة، حتى وإن كانت سيئة، خيارًا أكثر قبولًا بالمقارنة مع سيناريو التهجير الكامل.

مع ذلك، يجب التأكيد على أن التهجير يظل جزءًا أساسيًا من جوهر المشروع الصهيوني، سواء في الحاضر أو المستقبل. فمنذ السابع من أكتوبر 2023، تصاعدت التصريحات المتعلقة بمخططات التهجير، وظهرت العديد من الدراسات التي أعدها معهد “مسجاف” بالتعاون مع وزارة الاستخبارات الإسرائيلية، إضافة إلى تقارير أخرى صادرة عن مراكز بحثية مختلفة، توضح حجم الجهود المبذولة في هذا الاتجاه. وبالنظر إلى هذه المعطيات، يبدو أن إسرائيل تسعى لاستغلال الفرصة للقضاء على القضية الفلسطينية بشكل كامل.

هذه الأزمة ليست بالضرورة ناتجة عن عملية “طوفان الأقصى”، بل تعود أسبابها الأساسية إلى تشكيل حكومة متطرفة في مطلع عام 2023، حيث أُدرجت في الاتفاقيات الائتلافية بنود شديدة القسوة، تضمنت ما يقارب 170 بندًا، من بينها التأكيد على أن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وفرض السيادة الكاملة على الضفة الغربية بحلول عام 2025، بالإضافة إلى تعيين شخصيات متشددة في مناصب مؤثرة.

صورة 7_7

في الولاية السابقة لترامب، كان الحديث عن “حل الدولتين” شكليًا غير مصحوب بأي التزام عملي. ومع طرح “صفقة القرن”، تم حسم قضايا الحل النهائي لصالح إسرائيل بالكامل، حيث أُلغيت أي حقوق للفلسطينيين بشأن اللاجئين والقدس والحدود. هذه الصفقة لم تستند إلى القانون الدولي أو قرارات الأمم المتحدة، بل قامت على تأويلات تاريخية منحازة لإسرائيل، متجاهلة أكثر من 700 قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأكثر من 110 قرارات صادرة عن مجلس الأمن، والتي لم تُنفذ أبدًا.

حكومة نتنياهو الحالية ليس لديها بدائل سياسية سوى الحرب، إذ تسعى إلى الاستمرار فيها رغم أنها أصبحت حربًا عالقة، تسببت في ضرر بالغ لسمعة إسرائيل وأثرت على اقتصادها، كما عززت موجة الكراهية ضدها في العالم. ومع ذلك، فإن الحكومة الإسرائيلية تعتبر هذه الحرب فرصة ذهبية لتدمير المشروع الوطني الفلسطيني وتصفيته بالكامل.

كيف تأثر الوضع الداخلي في إسرائيل بمقترح ترامب؟

لاقى مقترح ترامب بشأن التهجير استجابة واسعة، ليس فقط من الأحزاب اليمينية، بل حتى من المعارضة الإسرائيلية، التي أيدت المقترح بحماس، معتبرة إياه الحل الأمثل.

التهجير في حد ذاته ليس مجرد فكرة عابرة، بل هو نهج متجذر في الفكر الصهيوني، مدفوعًا برؤى دينية وسياسية. فالمتدينون يعتقدون أن الضفة الغربية تمثل أرض “يهودا والسامرة”، التي وعد بها الرب للنبي إبراهيم، فيما ترى التيارات السياسية أن الضفة ليست “أرضًا محتلة”، بل “أرض متنازع عليها”، مما يسمح لهم بمواصلة خططهم لفرض السيطرة الإسرائيلية عليها بحلول عام 2025.

حاليًا، تشهد الضفة الغربية تصعيدًا كبيرًا، إذ تسعى إسرائيل إلى فرض سيطرتها الكاملة على الأرض، بالتزامن مع مواصلة الحرب في غزة، في إطار استراتيجية تهدف إلى القضاء على أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى