حادث قطاري الزقازيق.. 60 ثانية فقدت فيها الحاجة “عزة” 3 أحب
01:28 م
الأحد 15 سبتمبر 2024
كتب- سامح غيث ورمضان يونس:
دقيقة واحدة رَجٌّ قلب “عزة” وارتعش جسدها من الخوف، 60 ثانية عصيبة تجمعت أوجاع الأم “عزة” مع مآسي بناتها “هبة وشيماء” ومن قلبهما حفيدتها “وعد” على حافة مزلقان الكوبري الجديد، حين وقع تصادم “قطاري الزقازيق” أمام بلوك 5 في محطة الزقازيق، فماذا جري لأسرة “الحاجة عزة” في مزلقان الموت؟
داخل منزل ضيق في منطقة الإمام الشافعي بالزقازيق، أتمت الحاجة “عزة” وجبة الغداء، لبنتيها، حينها أصرت “شيماء” وشقيقتها “هبة” أن يعودان لمنزلهن بعدما انتهت زيارتهما منزل “العيلة”، قصدتا الأختان والأطفال في طريقهما للتل الكبير قطار الزقازيق ـ الإسماعيلية ودعت الأم بناتها وكأنها لم اللقاء الأخيرة بينهما “قولت لهم يقعدوا معايا يتغدوا بس رفضوا”.
قبل مغيب الشمس، تلقت الأم التي شارفت عامها الخمسين الخبر المشؤوم أن القطار الذي ركبتاه ابنتيها تصادم مع قطار آخر أمام الكوبري الجديد الذي لم يبعد عن منزلها دقائق: “لقيت واحد جايلي من المحطة جايب بنت بنتي وهي غرقان في دمها وبيقولي أن البنات كلهم ماتوا”.
في همة وصلت “عزة” موقع حادث القطاري، ترجلت بين عربات القطار التي اختلطت كراسيه بأجساد ركابه، بحثًا عن بناتها لكن محاولاتها جميعها باءت بالفشل، بصيص أمل على وجه الأم الشاحب بالدموع عندما أخبرها أحد الناجين أن أغلب المسافرين قد نجوه من الحادث: “اللي كان بيطلع من القطر كانت الإسعاف بتنقله على مستشفى جامعة الزقازيق”.
داخل باحة مستشفى الزقازيق الجامعي، كانت الأجواء غير عادية، حالة من الارتباك أصابت الجميع، حينها توجهت “عزة” مسرعة إلى غرفة الطوارئ تبحث بتمعن بين آسره الطوارئ عن “شيماء وهبة”، أمام غرفة العناية المركزة وقف الأم دقائق انتابتها الحيرة، ملامحها تبدو عليها القلق والخوف، رحلة بحث “عزة” عن بناتها استغرقت 30 دقيقة بين أورقة مستشفى الجامعة، فيما نصحها أحد الأطباء بالتوجه لمستشفى الأحرار “المصابين هنا وهناك.. ممكن تلاقي اللي بتسالي عليه”.
هرولت “عزة” نحو مستشفى الأحرار التي لم تبعد كثيرًا عن مستشفى جامعة الزقازيق على أمل أن تلتقي بابنتيها سالمين، دخل طرقات المستشفى الواسعة كان الحال مربكًا بضجيج الأهالي وأنين المرضي “كل ما اروح مستشفى يقولوا مفيش حد هنا”، عادت الأم تضرب على كفيها دون أن تعثر على أحد من الأسرة، “قولت أرجع تاني يمكن يكونوا اتحولوا مستشفى”.
في بهو المشرحة التي تحتضن العشرات من الجثامين، لم تقوَ “عزة” على تحمل الصدمة حينما أخبرها بأسماء بنتيها “شيماء وهبة” من ضمن الضحايا، كالصاعقة نزل نبأ الخبر على قبل الأم، ظلت تندب حظها بعدما فقدت كل الحبايب: “عيالي أولادي ميتين وابوهم ومكنش ليا غير بناتي وماتوا في القطر”، تطلق الأم طلقات صرخات مدوية تضع نهاية مأساوية لابنتيها وحياة تعيسة لأطفالهم الصغار: ” ابن بنتي في سنة 5 ابتدائي وبنت في العناية.. أروح فين ياربي”.
“عزة” التي كسي الوهن تجاعيد وجهها حسرة على أحبتها، افترشت طرقات المشرحة، تولول بصوتها العالي: “بناتي راحوا مني”، يحاول الجميع أن يشدد من آزر “عزة” ويواسونها على ما حل بها من مأساة، تطالب الأم المكلومة دفن ابنتيها وحفيدتها: “عايزة ادفن بناتي وأطمن على اللي عايش من العيال”.
في مستشفى جامعة الزقازيق، تأزم الوضع أمام كِثرة حالات المصابين، الأمر الذي استدعى لجمع متبرعين بالدم من جميع الفصائل، أمام مبنى العيادات الخارجية بالمستشفى كانت أعداد المتبرعين في تزايد: “الناس واقفة طوابير عشان تتبرع بالدم للمصابين”، ملحمة بشرية أظهرت جهود الأهالي الذاتية للتعامل مع الأزمة قبل تفاقم الوضع.
في الثامنة مساءً، وما أن سمع العم “رجب” بحادث تصادم قطارين في قريته، أسرع بالذهاب من منزله المطل على أطراف قرية وادي النيل على موقع التصادم، ابن الستين عامًا ارتدي في رأسه “كشاف” لمساعدة الأهالي وفرق الإنقاذ من قوات الدفاع المدني في إخراج الناجين من بين عربات القطار، يحكي العم في بث مباشر عبر “مصراوي” أن فور وصوله لموقع الحادث رأي الكثير من الركاب على الأرض “كان في ناس كتير واقعه على الأرض”.
بين ركام “قطاري الزقازيق”، نجت “فاطمة” من الموت بإعجوبه بعد أن حُشر جسدها بين الكراسي: “لقيت القطر بيتهز ودخان والناس بتجري وتصرخ” لم تجد الراكبة سبيلا للنجاة سوى أنها قفزت من القطار ما تسبب في إصابتها بخلع في الكوع.
لم تدري “فاطمة ” بنفسها إلا على سرير الطوارئ بعدما نقلتها سيارة الإسعاف للمستشفى: “اتصلت على زوجي وجالي”، رحلة “فاطمة” إلى القصاصين لم تتم على أكمل وجه:” كنت رايح فرح واحدة صاحبتي والقطر اتقلب بينا في الطريق”.
تقص “شيرين نصحي” حكايتها داخل قطار الآلام، تتذكر الناجية المشاهد الأولى للحادث الذي وقع على السكة الحديد، القطار الذي أستقلته “شيرين” من محطة الزقازيق توقف عن السير فجأة مدة لم تقل عن ربع ساعة، حتى عل الصراخ فجأة داخل العربات عقب تصادم قطاري الإسماعيلية والمنصورة أمام الكوبري الجديد:”نطيت من الباب عشان خوفنا القطر يولع بينا”.
في مشهد مهيب ودع أهالي الزقازيق جثامين 3 من ضحايا قطار الزقازيق إلى مثواهم الأخير، بعد ما صرحت النيابة العامة بالشرقية، دفن “هبة ووعد وشيماء” من أسرة الحاجة “عزة” عقب توقيع الكشف الطبي على الضحايا لتحديد أسباب الوفاة وكشف ملابساتها وإعداد تقرير وافٍ عن حالات الوفاة.
الحادث المأساوي الذي شهدته محطة الزقازيق، وقع تصادم بين قطار (281) ركاب المتجه من الزقازيق ـ الإسماعيلية، وقطار ركاب (336) المتجه من المنصورة ـ الزقازيق. نتج عنه 4 وفيات 3 من أسرة واحدة ومسن، فيما أصيب 49 مصابًا آخرين، حيث تماثل 30 حالة الشفاء من المصابين في مستشفيات جامعة الزقازيق، والأحرار، وفق ما أكدته وزارة الصحة في بيان رسمي فإن 44 من المصابين مستقرة، بينما 5 حالات آخرين غير مستقرة.
توجيهات حكومية عاجلة، بشأن حادث قطاري الزقازيق، حيث قررت وزيرة التضامن الاجتماعي الدكتورة مايا مرسي صرف مبلغ مالي 100 ألف جنيه تعويض لكل أسر ضحايا الحادث، فيما كلف الدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، مجمعة التأمين ضد أخطار حوادث السكك الحديدية والمترو والطرق السريعة، بصرف تعويضات لضحايا ومصابي الحادث الأليم، حيث ان يصرف مبلغ مالي 50 ألف جنيه بدلا من 30 ألف جنيه بصفة استثنائية، لأسر الضحايا.
من جانبه كلف النائب العام المستشار محمد شوقي، في بيان رسمي بتشكيل فريق تحقيق من المستشار المحامي العام الأول لنيابة جنوب الزقازيق الكلية ورؤساء نيابة استئناف المنصورة ووكلاء نيابة جنوب الزقازيق الكلية، لمباشرة إجراءات التحقيق في واقعة تصادم قطاري الزقازيق، حيث أن فريق أعضاء التحقيق المُكلف قاموا بمعاينة مكان الحادث وتم إصدار أمر برفع آثار الحادث لعودة القطارات إلى مسارتها المعتادة، في حين قام فريق آخر بمناظرة جثامين المتوفين؛ وإصدار تصاريح الدفن، وجاري سؤال المصابين واستكمال إجراءات التحقيق.